حكم الإجهاض في الإسلام

حكم الإجهاض: دراسة فقهية وشريعة

تعتبر مسألة الإجهاض من القضايا المعقدة التي تثير جدلاً واسعاً بين الفقهاء والمجتمعات حول العالم، وهي موضوع يعكس التوترات بين القيم الدينية والأخلاقية من جهة، والحقوق الإنسانية والصحية من جهة أخرى. في هذا المقال، سنتناول حكم الإجهاض من منظور الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي بشكل تفصيلي، مع استعراض مختلف الآراء الفقهية، وأسباب الإجهاض في الإسلام، وبيان المواقف المختلفة التي يتخذها العلماء حول هذا الموضوع. سنسعى لتقديم صورة شاملة حول الإجهاض كقضية دينية وأخلاقية وفقهية.

1. تعريف الإجهاض

الإجهاض هو إنهاء الحمل قبل أن يتمكن الجنين من الحياة خارج الرحم. وهو قد يحدث بصورة طبيعية نتيجة ما يُعرف بالإجهاض العفوي أو قد يتم عن قصد نتيجة تدخل طبي يهدف إلى إنهاء الحمل. الإجهاض يعتبر في أغلب الأديان والمجتمعات بمثابة قضية حساسة، وتختلف الآراء بشأنه بشكل كبير، سواء من حيث التوقيت الذي يتم فيه، أو الأسباب التي تبرره، أو حتى القيم الإنسانية والدينية التي تستند إليها هذه الآراء.

2. حكم الإجهاض في الإسلام

في الشريعة الإسلامية، يختلف الحكم على الإجهاض حسب توقيته وظروفه. كما أن القاعدة العامة في الإسلام هي الحفاظ على الحياة البشرية، وهو ما يجعل حكم الإجهاض محل دراسة دقيقة من قبل علماء المسلمين.

أ. في المرحلة الأولى (الأشهر الثلاثة الأولى)

أغلب الفقهاء في الإسلام يذهبون إلى أن الإجهاض في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل غير جائز إلا في حالات استثنائية. حيث تكون الأرواح في مرحلة تكوين ولم يتم فيها نفخ الروح بعد. يذكر أن فترة الحمل حتى الأسبوع الرابع عشر هي مرحلة تميز فيها الجنين بشكل غير كامل، إذ لا تكون الأعضاء قد اكتملت بشكل يمكنها من أداء وظائفها الحيوية.

ب. في المرحلة الثانية (من الشهر الرابع إلى الشهر السادس)

بحلول الشهر الرابع من الحمل، يصبح الجنين أكثر تطورًا، حيث يتضح هيكله العظمي وتبدأ الأعضاء الحيوية في العمل. وفي هذه الفترة، تتعدد الآراء حول جواز الإجهاض. يرى بعض الفقهاء أنه إذا تم تشخيص إصابة الجنين بمرض خطير أو تشوهات كبيرة تهدد حياته أو صحته، فيجوز الإجهاض في هذه المرحلة، خصوصًا إذا كان الحمل يمثل تهديدًا لحياة الأم.

ج. بعد نفخ الروح (الشهر الرابع وما بعده)

بحسب الأحاديث النبوية والعديد من أقوال العلماء، يُعتقد أن الروح تُنفخ في الجنين بعد 120 يومًا من الحمل (حوالي الشهر الرابع). بعد هذه الفترة، يصبح الجنين إنسانًا حيًا وله حق في الحياة. لذلك، في هذه المرحلة من الحمل، يُعتبر الإجهاض محرمًا، إلا في حالات الضرورة القصوى التي قد تهدد حياة الأم أو تكون حياة الجنين غير قابلة للاستمرار.

3. أسباب الإجهاض في الشريعة الإسلامية

بصرف النظر عن التوقيت، يعتبر سبب الإجهاض أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على حكمه في الإسلام. فالإجهاض قد يُبرر في بعض الحالات بسبب وجود ظروف قاهرة أو شديدة الأثر على حياة الأم أو الجنين.

أ. الإجهاض لحماية حياة الأم

أبرز الحالات التي يجيز فيها الإسلام الإجهاض هي عندما يشكل الحمل تهديدًا لحياة الأم. في هذه الحالة، يجيز الفقهاء للإمكانية الطبية لإنهاء الحمل للحفاظ على صحة الأم، حتى وإن كان ذلك يؤدي إلى فقدان الجنين. ويُعتبر هذا التصرف مستندًا إلى قاعدة “دَرْء المفاسد أولى من جلب المنافع”، أي أن الحفاظ على حياة الأم أولى من الحفاظ على حياة الجنين في حالة الخطر الواضح.

ب. التشوهات الخلقية للجنين

في بعض الحالات، يكون الجنين مصابًا بتشوهات خلقية أو أمراض تؤدي إلى فقدان الجنين لحياته بعد ولادته مباشرة أو التسبب في معاناة شديدة له. وقد اختلف العلماء في جواز الإجهاض في مثل هذه الحالات. بعض العلماء يرون أن الإجهاض يجوز في هذه الحالة، خاصة إذا كانت التشوهات قد تم تشخيصها قبل نفخ الروح، بينما يرفض البعض الآخر، معتبرين أن حياة الجنين لا تزال لها قيمة حتى بعد الشهر الرابع.

ج. الأسباب النفسية والاجتماعية

في بعض الأحيان، تلجأ بعض النساء للإجهاض لأسباب اجتماعية أو نفسية، مثل خوفهن من تربية الطفل أو من تعرضهن لضغوط اقتصادية. من وجهة نظر الإسلام، هذه الأسباب غير كافية لإجازة الإجهاض، حيث يُعتبر هذا التصرف تعارضًا مع القيمة الأساسية للحياة البشرية. إلا إذا كانت الحالة النفسية قد وصلت إلى مرحلة تهدد حياة الأم بشكل غير مباشر.

4. آراء فقهية متنوعة حول الإجهاض

أ. مذهب الشافعية

يُجيز الشافعية الإجهاض قبل الأربعين يومًا من الحمل، على اعتبار أن الجنين لم ينفخ فيه الروح بعد، ويعدون ذلك بمثابة مرحلة تتسم بالتكوين غير الكامل للجنين. ولكن بعد ذلك، يعتبرون أن الإجهاض محرم إلا إذا كان للحفاظ على حياة الأم أو إذا كانت حياة الجنين غير قابلة للاستمرار.

ب. مذهب المالكية

يتفق المالكية في معظم آرائهم مع الشافعية في جواز الإجهاض قبل أن يصبح الجنين مكتملًا في الشهر الرابع من الحمل. لكنهم في الوقت نفسه يرون أنه لا يجوز الإجهاض إلا في حالات تهدد حياة الأم، ويعتبرون ذلك من الحالات الاستثنائية التي يمكن التراجع فيها عن الأصل العام.

ج. مذهب الحنفية

يذهب الحنفية إلى أن الإجهاض مباح فقط في المراحل المبكرة من الحمل، ولكنهم يعترضون على الإجهاض بعد نفخ الروح. ومن وجهة نظرهم، يتعين التحقق من الحالة الطبية بشكل دقيق والتأكد من الضرورة القصوى قبل اتخاذ القرار بالإجهاض.

د. مذهب الحنابلة

كما هو الحال في المذاهب الأخرى، يختلف الحنابلة في حكم الإجهاض بناءً على توقيته. وهم يرون أن الإجهاض بعد نفخ الروح يعد جريمة قتل، لكنهم يجيزون الإجهاض إذا كانت حياة الأم في خطر.

5. الإجهاض كحق شخصي: مواقف حديثة في العالم الإسلامي

في بعض البلدان الإسلامية، أُثيرت نقاشات حديثة حول حق المرأة في تقرير مصير حملها. ففي بعض السياقات السياسية والاجتماعية، بدأ ظهور دعوات تؤكد على حقوق النساء في اتخاذ قرارات طبية تخص أجسادهن، مثل قضية الإجهاض. وقد تطور هذا النقاش ليشمل التوازن بين حماية الحياة وحماية حقوق المرأة في الاختيار. بعض الدول مثل تركيا وبعض الدول الخليجية كانت قد اعتمدت تشريعات تسمح بالإجهاض في بعض الحالات، بينما تبقى دول أخرى، مثل المملكة العربية السعودية، تلتزم بالموقف التقليدي في تحريمه إلا في الضرورة القصوى.

6. الخلاصة

الإجهاض في الشريعة الإسلامية قضية معقدة تتداخل فيها التفسيرات الدينية والفقهية مع الاعتبارات الصحية والاجتماعية. فبينما تعتبر الشريعة أن الحفاظ على الحياة البشرية أمر أساسي، فإنها في الوقت ذاته تُقدِّر الضرورات التي قد تطرأ على حياة الأم أو الجنين. هناك توافق عام بين العلماء على أن الإجهاض في مراحله المتقدمة محرم إلا في حالات استثنائية، ويظل القرار في مثل هذه الحالات مُتروِّيًا ومدروسًا بعناية شديدة.

في الختام، يُظهر هذا الموضوع أهمية الموازنة بين قيم الحياة وحقوق المرأة، ويستدعي تناول هذه القضية بروح من الفهم والتعاطي مع المتغيرات الحياتية والطبية والاجتماعية التي يمكن أن تطرأ على المجتمعات المعاصرة.